أمريكا: «هزمنا وانتصر الأسد»
الإعلان الأمريكي عن وجود توافق دولي على بقاء المؤسسات السورية يطفو إلى السطح عبر تصريح لمسؤول أمريكي رفيع المستوى لا يعد إلا أقرار أمريكي بالهزيمة في سوريا، ولعل مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية في تصريحاته بذلك إنما يصدق ما قاله سفير بلاده السابق في دمشق «روبرت فورد» لمجلة فورن بوليسي الأمريكية قبل أيام حينما أقر بأن أمريكا تخسر في سوريا، كما إن تصريح مدير الاستخبارات «جون برينان» يأتي كاشفاً عن وجود نقاشات كبرى مستمرة بين موسكو وواشنطن من جهة، وواشنطن والدول المتحالفة معها ضد سوريا من جهة أخرى. في النقطة الأولى التي يمكن التقاطها من تصريحي “برينان” المتناقضين بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، واعتبار الحكومة السورية و الرئيس السوري بشار الأسد “حكومة إشكالية”، فإن واشنطن تحافظ على الإمساك بالعصا من المنتصف، فلا هي قطعت الطريق النقاش مع روسيا بكونها الداعم السياسي الأقوى للدولة السورية، ولاهي أغضبت الحكومات الداعمة لمشروعها في سوريا من جهة أخرى، خاصة تلك التي تشخصن المسألة السورية بصراع ما بينها وبين الرئيس الأسد مباشرة.
في البحث عن الأسباب التي تدفع حكومة مثل السعودية إلى شخصنة الملف السوري بخلاف كبير وحاد مع الرئيس الأسد يبدو جلياً إن السعوديين لا يرغبون بوجود شخصية قيادية في المنطقة العربية يمكن أن تذكر بزمن الراحل جمال عبد الناصر أو تبقي سوريا على ذات النهج الذي كانت تسير عليه زمن الراحل حافظ الأسد، بمعنى أن المملكة تحاول أن تصنع من ملكه المنتهي الصلاحية سياسياً لجهة حالته الصيحة على إنه القائد المطلق من خلال سيطرته على المناطق المقدسة إسلامياً، ومن خلال الدعم الكبير للصراعات في دول عدة، ودعم الإنفصال المرغوب به لكل من إقليم شمال العراق “كردستان” و الأنبار عن العراق، ومن خلال السيطرة على قرار الدول الخليجية و الدخول إلى مصر من بوابة الدعم الاقتصادي ولاحقاً إلى السودان وصولاً إلى موريتانيا، لكن من أهم أسباب الصراع بين آل سعود والأسد هو التوافق ما بين السعوديين والكيان الإسرائيلي على هدم محور المقاومة، فالمملكة تبحث عن زعامة العالم الإسلامي وبطبيعة النظرة الإسلامية إلى القدس ومقدسات فلسطين المحتلة فإن الداعم الأساس للمقاومة الفلسطينية هو من يعتبره المسلمون والعرب قدوة لهم، وبالتالي فأن يكون الأسد هو هذه القدوة أمر مرفوض من قبل السعوديين ومن قبل الإسرائيليين في آن معاً.
بالعودة إلى جملة التصريحات الأمريكية في الآونة الأخيرة، يقرأ تصريح السفير السابق ” فورد” والذي كان له الدور السلبي الكبير في تفعيل الأزمة السورية من خلال جملة من الاتصالات مع الميليشيات المسلحة في الداخل والدول الداعمة لها في الخارج، إذ اعتبر فورد إن أمريكا تخسر في سوريا، وهذا بحد ذاته اعتراف أمريكي مبطن من خلال مسؤول سابق على تماس مباشر بالملف السوري بأن الرئيس الأسد تمكن من قيادة بلاده على حدود المواجهة الكبرى مع إسرائيل والمحور الداعم لها وتمكن من النصر.
وبالتالي على الدول الساعية للبقاء ضمن دائرة الحدث الإقليمي البحث عن فرصة للحوار مع الأسد، وبالتالي كانت زيارات الوفود الأجنبية العديدة إلى دمشق للقاء الأسد، وكان الأخير مصر على أن يقول لضيوفه ألا أبواب خلفية للعلاقة مع دمشق، فإما التعاون المطلق من خلال العودة إلى العلاقة الدبلوماسية الكاملة في مقابل التخلي عن الازدواجية في المعايير، أو إن المعلومات الأمنية التي تحتاجها هذه الدول للتحصن من الإرهاب ستبقى حكراً على المؤسسة العسكرية السورية، وهي واحدة من المؤسسات التي ترغب أمريكا بالحفاظ عليها، لكن المفارقة في اعتبار الحكومة السورية “إشكالية” من قبل واشنطن إن الدولة السورية القائمة على جملة من المؤسسات أولها مؤسسة الرئاسة السورية ومن ثم الحكومة والمؤسسة العسكرية والأمنية هي العدو المباشر لأمريكا، فكيف لأمريكا أن تحافظ على مؤسسة الرئاسة دون الأسد..؟.
ثم كيف تتوافق واشنطن مع الحكومة الروسية حول ضرورة التوافق على الحفاظ على مؤسسات سوريا في وقت يمكن لأمريكا أن تعتبر بقاء الأسد والحكومة السورية “إشكالياً” في الوقت الذي يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شرعية الرئيس الأسد خاصة وأن بوتين كان متابعاً بشكل شخصي ومباشر للانتخابات الرئاسية السورية، ومهما بلغت عمق المصالح المشتركة بين الأسد وبوتين فإن الرئيس الروسي لا يملك أن يورط بلاده بموقف لا يستند إلى معلومات دقيقة وبعيدة عن العلاقة بين حكومتي البلدين ليكون موقف بوتين من سوريا مدعماً بمعلومة حقيقية ومثبتة.
في جملة التصريحات الأمريكية التي تستند إلى فكرة واحدة مفادها أن التوافقات الدولية حول الملف السوري باتت قاب قوسين أو أدنى من الظهور إلى العلن، الأمر الذي سيكون معنكساً مباشراً على مسار الحل في سوريا، وقد يكون منتدى موسكو في جولته الثانية باب التحولات الكبرى تجاه دمشق، فالأمم المتحدة المملوكة القرار من قبل الإدارة الأمريكية أعلنت إنها ستحضر المنتدى عبر مبعوث يمثلها، كما إن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا «ستيفان دي مستورا» تخلى عن حصان طروادة بعد رفض المسلحين لتجميد القتال في أحياء حلب، وتنقل عنه وسائل الإعلام أنه يحضر لخطة جديدة قد تبنى على أساس الخطة القديمة، وكل هذا يأتي في وقت تستعرض جهاز الاستخبارات العسكرية السورية قدراته على رصد تحركات واجتماعات قادة النصرة في المناطق المتاخمة للشريط الحدودي، وينفذ الطيران الحربي السوري عمليات دقيقة و سريعة في المنطقة التي أعطت إسرائيل فيها الأوامر لدفاعاتها الجوية باستهداف الطيران السوري ما إن يقترب من شريط الفصل، وبالتالي أي ثقة عالية أفرزته سنوات الأزمة الأربع للجيش السوري، وأي خوف يعصف بالكيان الإسرائيلي، والسؤال الكبير يقول، أين مصلحة إسرائيل في التصريحات الأمريكية التي تمهد للانعطاف بما يخص الأزمة السورية، فهل يحضر الإسرائيليون لمرحلة جديدة من خلال كسب هامش الوقت الذي تحتاجه لإعادة تموضع قواتها في منطقة الجولان واستقراء ما تنويه سوريا والمقاومة في المنطقة، وإعادة هيكلة التنظيمات الإرهابية لمحاولة ضرب سوريا مجدداً، وهذا ما يتطلب مجهوداً استخبارياً كبيراً يحتاج لوقت لن يكون بالقصير، مما سيضع أمريكا بدافع إسرائيلي للاعتراف بالهزيمة في سوريا والدفع بالأزمة نحو الحلحلة عبر إجبار المعارضات السياسية المتعددة بالقبول بالحل السياسي، ومن منتدى موسكو في نسخته الثانية سيكون التوافق على مؤتمر في دمشق للحوار السوري، وهذا ما يجعل أمريكا في موضع وكأنها تقول : هزمنا.. وانتصرت سوريا بقيادة الأسد.
عربي برس
.
.