منطقة السيدة زينب تعود لطبيعتها رغم أنف أعدائها !!!
الخدمات الصحية قدمت للأهالي تحت أزيز الرصاص
صحيفة تشرين – ميليا اسبر
10 كم المسافة التي تفصل بلدة السيدة زينب عن العاصمة دمشق، قديماً كانت تسمى (راوية) وبعد ذلك أطلق عليها السيدة زينب نسبة لزينب بنت الحسين عليهما السلام وفيها مقامها الشهير الذي يقصده الزوار على مدار العام، حيث كان يصل عدد السياح قبل الأحداث إلى مليون سائح سنوياً أغلبهم من: لبنان- إيران- العراق- باكستان- الهند، لكن انخفض هذا العدد إلى أقل من 100 ألف سائح نتيجة الأحداث الأمنية التي جرت في هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها حسبما أكده المهندس ناهد مرتضى- المسؤول الفني عن إدارة المقام، كما أنها تضم رفات شعراء عرب مثل محمد مهدي الجواهري ومصطفى جمال الدين.
مئات الأمتار فقط كانت تفصلها عن مراكز وجود الإرهابيين في المناطق الحدودية معها مثل الحسينية- حجيرة والديابية.
عاشت ويلات الحرب وقدمت كغيرها من المناطق السورية الكثير من الشهداء.. تحدت الإجرام والتكفير والهاون، وكان آخرها قذيفة هاون سقطت في نهاية شهر كانون الثاني من العام الماضي على ضريح السيدة زينب، ما أدى إلى إلحاق أضرار مادية بإحدى منارات المقام.
لكنها استطاعت بصمود سكانها وتعاونهم مع المؤسسات والهيئات الموجودة هناك أن تبلسم جراحها وتستعيد عافيتها مجدداً، وتفرض هيبة الدولة فيها وتعيد الحياة إلى طبيعتها رغم أنف أعدائها، إذ تم إحياء خدمات الصحة- الكهرباء- الهاتف- المياه..
«تشرين» قامت بزيارة ميدانية إلى السيدة زينب، رصدت واقع الحياة فيها عن كثب والتقت مواطنين تحدثوا عن تفاصيل حياتهم اليومية أثناء الحرب، وكيف أمّنوا رغيف الخبز تحت رصاص القنص.
حياة الحرب
(بدر فيصل) من سكان بلدة السيدة زينب تحدث عن مرارة العيش قبل تحرير المنطقة من الإرهاب فقال: لا وجود للأفران- الغاز- الكهرباء- قطع الطرقات المؤدية للعاصمة، لم يعد في استطاعتنا إحضار المواد الأساسية منها، يروي بحسرة عن شخص قنص أمامه واستشهد بطلقة اخترقت صدره، كان يحمل بين ذراعيه خبزاً يريد إيصاله لعائلته، عانينا الأمرّين وعشنا أياماً سوداء انقطعت فيها سبل الحياة، لكن الوضع تغيّر الآن ولا مجال للمقارنة بين السابق والحالي، فقد عادت الحياة إلى طبيعتها: الأفران- الغاز- الأدوية.. وهذا بفضل دماء الشهداء التي سالت على هذه الأرض.
(نصرالله الخطيب) مدير إدارة بصمة شباب سورية في ريف دمشق الجنوبي يتحدث عن صعوبات عملهم في السيدة زينب بعد دخول العصابات المسلحة إليها، حيث قطعت كل الطرقات المؤدية إلى مطار دمشق، القذائف والهاون عليه من كل حدب وصوب، رغم كل الصعوبات تمكنّا من استيعاب المهجرين من المناطق المجاورة للبلدة وإيوائهم في الفنادق التي كانت سابقاً مخصصة للسياحة، خاطرنا بأرواحنا من أجل تأمين رغيف الخبز الذي كان يتقاسمه أحياناً كثيرة أربعة أشخاص ليستمروا بالحياة لليوم الثاني، مع انقطاع دائم للكهرباء الذي استمر شهرين متواصلين، ما أدى إلى إبطال مفعول لقاحات الأطفال التي كانت موجودة في برادات المستوصف في المنطقة، أما حالياً فالوضع تمكن مقارنته بين «النار والجنة»، وذلك بفضل التضحيات التي قدمها الجيش العربي السوري من أجل عودة الخدمات: صحة- هاتف- كهرباء- مياه.
مشروعات بقيمة 150 مليون ليرة
(محمد بركات) رئيس مجلس مدينة السيدة زينب أكد أن قيمة المشروعات التي أنجزت وقيد الإنجاز في السيدة زينب تقدر بنحو 150 مليون ل.س، إذ تم تعبيد عدة طرقات في المنطقة مثل طريق الدفاع الوطني وشارع بهمن، وتوسيع طرقات حول المقام، إضافة إلى تعبيد طريق كوع السودان الذي كان بعرض 8 أمتار سابقاً، أما الآن فأصبح بعرض 20 متراً، إضافة إلى زراعة الأشجار حول الطرقات، كذلك تأهيل وتجهيز مدخل السيدة زينب، وحالياً هناك إعلان عن مشروع فتح طريق يبدأ من قوس البلدية إلى دوار حجيرة ذهاباً وإياباً بقيمة 15 مليون ليرة وسيتم خلال الفترة القصيرة القادمة تعبيد طريق خربة الورد الرئيس بقيمة 14 مليون ل.س، إضافة إلى إعادة تأهيل الإنارة في الشوارع الرئيسة للمنطقة.
أما ما يتعلق بنظافة المدينة، فتقوم سيارات البلدية بنقل القمامة إلى منطقة دير الحجر، حيث المكب العام، فلا وجود لمكب مؤقت، ترحيل فوري وبشكل مستمر، كما توجد وردية مسائية مؤلفة من ثلاثة عناصر، تراقب وتتابع وتسجل أي ملاحظة تتعلق بهذا الموضوع وتعطيها هاتفياً للبلدية التي أخذت مهام خارج منطقتها، حيث اتجهت إلى جرمانا وصحنايا، رغم أن إمكانات البلدية ليست بالعالية، لكن متابعة العمل هي السبب في إنجاز معظم الأعمال.
حالات إنسانية
أسر الشهداء كان لها اهتمام خاص -بحسب رئيس البلدية- من خلال تقديم جميع المساعدات الطبية والغذائية لها، مع وجود سيارة خاصة لطلاب ذوي الشهداء تقلهم من السيدة زينب إلى مدرسة الشهداء في المزة يوم السبت وتعيدهم نهاية الأسبوع، عمليات جراحية للأسر الفقيرة بالتنسيق مع مشفى المجتهد، حالات إنسانية تم إحضارها من مراكز الإيواء في السويداء كالتي أجريت للمريضة صفاء عبارة عن استئصال كتلة دماغية كانت تفقدها الوعي والذاكرة، نجحت العملية وبدأت ترى بعينها اليسرى التي لم تكن ترى فيها سابقاً، كما بدأت حواسها بالعمل بشكل جيد، أبرز حادثة وقعت خلال الحرب الدائرة في المنطقة، أربعة أطفال أخوة أكبرهم محمد 9 سنوات وثلاث فتيات أصغرهم بعمر السنتين، أثناء خروجهم من منطقة يلدا التي كانوا محاصرين فيها أصيبت الأم بطلق ناري، المبكي أن الطفلة ذات الأربع سنوات تحاول حمل أختها الصغيرة من دون جدوى، لم نعد نعرف أي شيء عن الأم بعد إصابتها، وكل التوقعات رجحت أنها فارقت الحياة، بقي الأطفال الأربعة تحت رعاية إحدى الأسر مع تقديم كل الرعاية لهم وللأسرة المعيلة، ذات يوم أتى محمد باكياً إلى مكتب البلدية بعد أن بدأ الأطفال بالمدرسة يرددون كلمة بابا- ماما وطلب منهم الذهاب لبيت جده في منطقة عرا في السويداء، المفاجأة التي حدثت أثناء دخول الأولاد أن الأم التي أصيبت بالعمود الفقري وغير قادرة على الحركة ركضت عندما رأت أولادها، وإلى اليوم البلدية تتابع أمور هذه العائلة في السويداء في الأعياد والمناسبات..
جنباً إلى جنب مع الجيش
ويضيف بركات: أهم أعمال البلدية التواصل والتعاون المستمر مع الجيش العربي السوري في أي منطقة يدخلها تفتح له الطريق في حال وجود سواتر ترابية، كالذي حدث أثناء تحرير منطقة الديابية- الحسينية وحجيرة، وأدى ذلك إلى استشهاد اثنين من عمال البلدية، كذلك تقوم البلدية بإحضار كل الآليات التي تخص الدولة في المناطق التي تم تحريرها وإعطاء كل وزارة السيارات التابعة لها، وكذلك السيارات المدنية يقوم صاحبها بإجراء ضبط رسمي يستلم فيها سيارته بعد دفع رسوم الرافعة، إضافة إلى وجود سيارات لأشخاص مجهولين، لكن حالياً تستخدمها البلدية ومعلن عنها مثل: قلاب- تركس- جرار.
الفنادق مراكز إيواء
المهجرون من مناطق الحروب حجيرة- الديابية سكنوا فنادق صاحبها غير موجود لكن المشكلة أن صاحب الفندق يعود بعد 4 سنوات يريد أملاكه، للإنصاف بين الطرفين تقوم البلدية بتنظيم عقد إيجار وتدفع الدولة له، حيث تحفظ حق المالك، وفي الوقت نفسه يبقى المهجر في مكان آمن.
وختم بركات بالقول: إنه في السنة الماضية، وبسبب تغيب الفلاحين عن أراضيهم نتيجة الإرهاب قامت البلدية بجهود عمالها بحصاد موسم القمح وتسليم الكميات إلى مركز الحبوب التابع للدولة، وهذا العام وبتوجيهات من محافظة ريف دمشق تم تأمين وصول الفلاحين لأراضيهم بغية زراعتها بما ينعكس على مصلحة الوطن والمواطن.
خدمات الصحة لم تتوقف
الخدمات الطبية من أهم الخدمات التي قدمت لأهالي منطقة السيدة زينب التي لم تتوقف طوال فترة الحرب، حسبما أكده الدكتور نافع أدنوف- رئيس المركز الصحي في السيدة زينب، حيث قدمت كامل الخدمات، ولاسيما خدمة اللقاح التي تعطى في مواعيدها وبشكل دائم، لكن تأثير الحرب كان على مبنى المركز الصحي لكونه يقع على الحدود مع الديابية، الأمر الذي استدعى الانتقال إلى مكان بديل أكثر أمناً، مع تقديم كل الخدمات العلاجية الموجودة في العيادات العامة وبعض العيادات الاختصاصية، وأيضاً المخبر وطب الأسنان ورعاية تنظيم الأسرة، وتأمين كل الأدوية للأمراض المزمنة للمواطن بنسبة أكثر من 80% منها أدوية لداء السكري مثل الأنسولين، لكن نتيجة الازدحام السكاني الضخم الذي أصبح في المنطقة تم وضع المهجرين في مراكز إيواء تسمى مناطق مقامات سابقاً كانت تؤجر للسياح، ولذلك تم إحداث لهم ما يسمى بالنقطة الطبية، وتتوافر فيها كل المستلزمات الطبية وكل الاختصاصات من أجل تسهيل معاينة هؤلاء، وفي هذه الحالة أصبح لدينا في المنطقة مركزان طبيان.
المركز الوحيد المخدم
ويقول الدكتور أدنوف المركز الصحي في السيدة زينب هو الوحيد الذي استمر في تخديم المنطقة صحياً رغم مغادرة بعض الأطباء، وأيضاً الهلال الأحمر السوري الذي غادر المنطقة بشكل كامل وبكل فروعه طوال فترة الحرب في المنطقة، لكنه عاد مؤخراً منذ حوالي ستة أشهر فقط، إضافة إلى تدمير مشفى الخميني بالكامل مع بقاء مشفى الصدر، علماً بأن المعاينة في المركز مع الأدوية مجانية بالكامل، حيث يتم إعطاء أدوية لمريض السكري والضغط بقيمة 10 آلاف ليرة شهرياً، وأوضح أن منظمة اليونيسيف زارت المنطقة قبل حوالي شهر مع ممثلين من وزارة الصحة، وهي الزيارة الأولى لها بعد أن تم تأمين المنطقة وزارت الأهالي في منازلهم، وأجروا مسحاً لكل المنطقة والنتيجة كانت ممتازة، فرغم كل الأحداث التي جرت بقي المركز يعادل جهوزية مشفى بالكامل فهو يجري 90% من التحاليل المقترحة من قبل أي طبيب (كولسترول- شحوم- وظائف كبد- كلية).
العمل أثناء الحرب
يتحدث مدير المركز الصحي عن عملهم أثناء الحرب وتحت قذائف الهاون وأزيز الرصاص، وعن جرحى الجيش الذين كانوا يأتون إلى النقطة الطبية الموجودة شرق مقام السيدة زينب، بداية الحرب كان الكادر الطبي لايزال موجوداً بالكامل، وتم نقلهم إلى منطقة آمنة في مشفى «بهمن» وبدأ الكادر يعمل بكل طاقاته: إسعاف- لقاح- وعبر وسائل خاصة كنا نمدهم بالأدوية والتجهيزات الإسعافية، أخذنا مركز الأنوار واستمرت الخدمات رغم كل المعاناة لم نشعر بتوقف الخدمات الطبية في السيدة زينب.
تابع أدنوف: لقد تم رفد خمسة عناصر طبية من فنيين- مساعدين جراحين من قبل المركز وهم حتى اللحظة يعملون مع الجيش العربي السوري في مشاف ميدانية، وعندما يحتاج الجيش لأطباء جراحين نؤمنهم بالسرعة الكلية ونزودهم بها، يوجد مساعدون- فنيون مخدر عمليات إضافة 800 متطوعة من العنصر النسائي وتدريبهن على الأعمال التمريضية والإسعافية وتم إعطاؤهن شهادات ووثيقة مشاركة.
رغم كل ظروف الحرب القاسية تم القيام بلقاحات للصحة المدرسية على الأمراض الوبائية والمعدية في المدارس كالقمل والصيبان، الذي أصاب معظم التلاميذ بسبب الظروف المعيشية الصعبة والسيئة وقد تم تأمين عشرة آلاف علبة شامبو للقضاء على هذا الوباء: وختم بالقول: المركز الصحي في السيدة زينب يبذل كل الجهود وبأصعب الظروف حفاظاً على المنطقة وسكانها من أي مرض.
35 بئراً حالياً
أما بالنسبة لوضع المياه في السيدة زينب فيقول منير حمزات- رئيس وحدة المياه: إن وضع المياه جيد فهناك ما يقارب 35 بئراً في الوقت الحالي وبمتوسط غزارة تقدر بـ650 متراً مكعباً في الساعة، وهذا يكفي لسكان المنطقة مع المهجرين، إضافة لتفعيل مركز الجباية آلياً، كما تم مؤخراً تقديم مجموعة توليد قادمة من مرفأ طرطوس مباشرة إلى مركز حوش شعير باستطاعة 200 ك.ف.آر وهي تقدمة الهلال العربي السوري وحوش شعير مشروع مركزي يحوي على خمس آبار باستطاعة ما يقارب 100 متر مكعب في الساعة، مع تزويد المنطقة بـ12 لوحة تشغيل و4 مضخات جديدة، لكن المشكلة الوحيدة هي التأخير في أعمال صيانة المضخات، ويوجد حالياً 5 آبار متوقفة عن العمل نسعى لإصلاحها تدريجياً وفي حال جاهزية أي مضخة نضعها مباشرة في الخدمة.
يعمل على مدار 24ساعة
فوج الإطفاء في المنطقة يعمل في جاهزية تامة وعلى مدار 24 ساعة نظراً لخصوصية المنطقة، ولاسيما تحسباً لحدوث أي طارئ، الفوج نفذ عدة مهمات في مؤازرة الجيش العربي السوري في مناطق عدة: عربين- جوبر- زملكا، كما تعرض خلال الحرب كما يقول -محمد بكر- قائد فوج إطفاء السيدة لإطلاق نار على الآليات، الحدث الأهم كان على طريق المطار.. . عدد من القناصين قاموا بحرق الحرش الموجود على الطريق، كذلك تعرضت الآليات للقنص، كادر الإطفاء يقوم بعمله رغم الظروف الصعبة في المنطقة ويتوسع في الجغرافيا يصل الكسوة وجرمانا أيضاً، لديه 15 عنصراً مدرباً بشكل جيد.
100 ألف سائح فقط
السياحة أهم ما تميز منطقة السيدة زينب لكونها تعد من أهم المعالم السياحية الدينية فقد بلغ عدد الزوار حسبما أكده المهندس ناهد مرتضى- المسؤول الفني في المقام مليون سائح ديني سنوياً، أما حالياً فالعدد لا يصل إلى 100 ألف سائح بسبب الوضع الراهن في البلاد، لكن المطلوب من وزارة السياحة وابتداء من الآن إيجاد طريقة أو حل لكيفية استقبال المليون زائر، لأن هؤلاء يعودون بمردود مادي كبير للبلد. علماً بأن السياحة حالياً من لبنان فقط، نتيجة الظروف الصعبة عزف الزائر: الإيراني- السعودي- البحريني عن زيارة المنطقة.
ولذلك نأمل من الجهات الوصائية أن تبدأ في الوقت الحالي بقبول الموافقات الضرورية للقادمين من دول الكويت- البحرين- السعودية، علماً بأنه تم إرسال للجهات المختصة بضرورة تأمين الموافقات اللازمة للسياح من هذه الدول فلهؤلاء السياح أهمية مادية وأيضاً بمنزلة حملة دعائية بأن بلدة السيدة زينب آمنة كلياً.
وختم بالقول: إن وزارة السياحة هي الجهة المعنية بتنظيم المنطقة سياحياً ويجب أن يكون لها مخطط تنظيمي، والأهم إنشاء سوق الخدمات التجارية البسيطة بدلاً من وجود بسطات موجودة على الأرصفة وفي الشوارع، وهي بصورة الموضوع تماماً والمحافظة كذلك، لكن القرارات التي تصدر تكون بمنزلة حبر على ورق.. من هنا نطلب من المعنيين المزيد من الدعم والاهتمام الأكثر بمنطقة السيدة زينب لأهميتها السياحية والدينية على مستوى العالم.
.
.